الأحد، 5 مايو 2013

في السياسة الشرعية


فتوى رقم (6)
بسم الله الرحمن الرحيم
"فتوى في السياسة الشرعية ارتجلت سنة 1998م"

في حال غياب ولي الأمر الشرعي، وللدفاع عن بيضة الإسلام:
- متى يكون الواجب على المسلم حمل السلاح؟!
- ضدّ أي فئة يكون ذلك، وهل من شروط المحارب اللازمة أن يكون كافراً؟!
ج/ الأصل في الحرب أن تكون لدفع الصائل الكافر، أو لنشر الدعوة الإسلامية، إذا تعينت الحرب سبيلاً لذلك. وكل ما يجري من اقتتال بين المسلمين؛ فيجب أن ينظر إليه في دائرة الفتنة.
وكلمة غياب ولي الأمر الشرعي كلمة مطاطة، كلّ قوم يفسرونها على حسب رؤيتهم الفكرية والطائفية. فنصوص الكتاب والسنة لا تعيِّن صفاتٍ لولي الأمر هذا إلا أن يكون عادلاً، والعدل لا يظهر إلا بعد تسلمه الحكم. والنصّ غير موجود قطعاً، والشورى لم تتحقق قط في اختيار أي خليفة من خلفاء المسلمي، وسبيل الحكم الوحيد في تاريخنا الإسلامي هو الغلبة سواء بالقوة العسكرية أو بقوة النفوذ الشخصي في ظروف سمحت بهذه الغلبة.
فحقن الدماء هو الواجب الشرعي، واعتبار حكّام المسلمين اليوم جميعاً أولياء أمور إلا من كان كافراً أصلياً كما في فلسطين ولبنان، أو معلناً لكفره ومحاربته للإسلام حقيقة.. اعتبارهم جميعا مسلمين هو الأولى لتحقيق مسألة حقن الدماء. والنزاع بين المرجعية السياسية الحاكمة والمرجعية العلمية التي تدعي لها الحقّ في قيادة الأمة قديم، ولم تنتصر هذه المرجعية قط!
فحمل السلاح ضد الحكّام الظالمين من وجهة نظرٍ ما فيه خطورة على استقرار المجتمع وأمنه، ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، والخروج على الحاكم الظالم له شرائط كثيرة لا أرى شيئاً فيها متحققا اليوم، فحكام المسلمين جميعاً يسمحون لك بمزاولة تسعة أعشار الإسلام، ويحرّمون عليك العشر السياسي، وهذا كان حاصلاً منذ توفي النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وما كان هذا مبرراً لخروج العلماء على الخلفاء أو الحكام.
ويبدو أن أمتنا لم تفقه حتى اليوم الفرق بين الإسلام السياسي القرآني والإسلام السياسي التاريخي، فلا هي استنبطت منهاج الإسلام السياسي من القرآن الكريم بعيداً عن الانتماءات الحزبية والطائفية والمذهبية، ولا هي رضيت عن الإسلام السياسي التاريخي القائم على الغلبة. وهذا الكلام تربوي وليس كلام فتوى، لكنه تمهيد للفتوى:
لا يجوز رفع السلاح في وجه مسلم مهما صدر عنه من ظلم، إلا دفاعاً عن النفس أو العرض أو المال.
أما إذا جاءك من ينتسب إلى الإسلام ويريد حربك على الدين؛ فعندها يكون الجهاد ضد هذا المحارب الذي خرج عن الإسلام وإن انتسب إلى أهله.
وقتال الحكّام المتغلبين على الأمة كلّه اليوم من القتال المحرّم وفق قاعدتين:
الأولى: "لا! ما أقاموا فيكم الصلاة"، أي ما أذنوا بالعبادات والشعائر الظاهرة التي أكبرها الصلاة.
الثانية: دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والأمة منذ قرن من الزمان على الأقل تعيش فكرة الطاعة المطلقة للحاكم وسلب هذه الفكرة من أدمغة التابعين للسلطة ليس أمراً يسيراً يسهل انتزاعه يجوز القتل على الالتزام به لشبهة طاعة ولي الأمر، والله تعالى أعلم.

السبت، 4 مايو 2013

مشروعية زيارة قبور الصالحين


فتوى رقم (8)
الخميس 24/12/1998
بسم الله الرحمن الرحيم
س/ ما الدليل على مشروعية زيارة الصالحين، وحصول البركة والأجر، وتلاقح الأرواح، وفوح الروائح العطرية من جوار قبورهم؟
ج/ نحن لا ندّعي أن فلاناً صالحٌ، وفلاناً وليّ، إلا بأحد أمرين:
1- أن يُختم له بالإيمان.
2- أو ينال الشهادة في سبيل الله تعالى.
الثاني، معروف مسلّم، فظاهر حاله أنه وليّ، ومن الصالحين، فالشهادة درجة عالية، ودمُه كفارة لكل ما بدر من حقوق بينه وبين الله تعالى.
فالإمام علي والحسين وزيد والنفس الزكية والكاظم وأبو حنيفة كلهم شهداء – إذ لا فرق بين القتل بالسيف والقتل بالسمّ –
وأما الأولى، فلا سبيل لنا إليها، فنحن لا نعرف بم ختم للإنسان، لكن نقَلَ الشيخ ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" أن من شهد له أهل الإيمان بأنه من أهل الإيمان فيجوز القطع بأنه في الجنة. ونقَل هذا عن جمهور العلماء من المالكية والحنابلة والشافعية والصوفية وسائر الأشاعرة، كما قال، والماتريدية، وذهب الإمام أحمد إلى ذلك على الرجاء دون القطع، فيقول: أرجو أنه من أهل الجنة وأهل الصلاح.
وبناءً على رأي الجمهور المدعم بالأحاديث الكثيرة، فمن شهدت له الأمة بالصلاح، ومن وضع له القبول بين الناس، ومن جعل الله مرقده عَلَماً يُزار رغم توالي السنين واندثار أكثر الأسماء أو مراقد أصحابها، فيجوز القطع بأنه من الصالحين. فإذا تم هذان الأمران، فمشروعية زيارة المراقد هذه من ثلاث نواح:
1. عموم إذْنِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزيارة القبور، وسعيه هو في الليالي المقمرة إلى زيارتها.
2. أما الخصوص، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور قبر حمزة وقبور شهداء أُحُد، وزار قبر أمه، وزار قبوراً سميت في الروايات، فدلّ هذا على جواز تخصيص قبرٍ ما بالزيارة دون مطلق المقابر.
3. لا فرق عند أهل الإيمان بين الصالح الحي والصالح المتوفى، لأن المتوفى حي أيضاً، والندب إلى زيارة المسلم كثرت في الأحاديث.
هذه واحدة، وأما الثانية في المشروعية، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، وفي رواية: (ما بين قبري ومنبري)، وعندي أن هذا مقلوب، أو مروي بالمعنى، لأن النتيجة واحدة، فقبره في بيته. وبعض العلماء قال: بل الصواب قبره، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له بيت إلا المسجد، وإنما تنسب البيوت لأزواجه، فيقال: كان في بيت عائشة وبيت أم سلمة... والخطب يسير.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار)، فمَنْ شهدتْ له الأمة بالصلاح، فهو في الجنة، وقبره روضة من تلك الرياض ومَنْ نال الشهادة فقد شهد له الله بذلك. وهؤلاء الأولياء كلهم في رياض من رياض الجنة، فالمحروم مَنْ حرَمَ نفسَه التعرض لنفحات الجنة وأُنسها.
فمرقد علي روضة، ومرقد الحسين والعباس وسائر مراقد آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام البررة، قبورهم رياض، وكذلك علماء الأمة أصحاب المراقد المعروفة من أمثال أبي حنيفة وأبي يوسف، وغيرهما وكذلك أولياء الله تعالى ممن شهدت لهم الأمة بالولاية من أمثال معروف الكرخي والجنيد البغدادي والسري السقطي والرفاعي والجيلاني وألوف الأولياء الذين عظموا وكرموا أرض العراق... فمراقد هؤلاء كلها رياض، والذي يقول إن القبر في ذاته روضة وليس ما فوقه يتحكّم، فإن الجنة من أسفلها إلى آخر ما يمكن العلو كلها روضة، ولا يمكن أن يكون باطنها روضة وظاهرها ضد ذلك..
وأما الدليل على حصول الأجر، فالأجر إما محدّد وإما مطلق، وليس في زيارة المقابر أجر محدد. وكل الروايات التي يرويها المتصوفة والشيعة وغيرهم في تحديد أجور زيارة بعض الصالحين أو الأئمة، فلا يصح منها شيء - في حدود علمي ومعرفتي -، ويبقى الأجر المطلق، وهو يتعلق بكل مشروع، فمَنْ أتى فريضةً أُجِر، ومَنْ أتى نافلةً أُجِر، ومَن انقاد لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقول أو بالفعل أُجِر. والأجر في زيارة هؤلاء الصالحين يأتي من جهات ثلاث:
1. امتثال ندب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زيارة المقابر.
2. دخول هؤلاء جميعاً تحت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا مَنْ لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه).
3. البر بالآباء والأجداد، وهذا مأمور به في غير ما حديث وهؤلاء إما آباؤنا نَسَباً، وإما آباؤنا معنىً، بمعنى أنهم علماؤنا وآباؤنا العلميون والروحيون.
يضاف إلى هذا قضية الولاء وإظهار الحب فإن الله تعالى يحب مَنْ يحب أحبابَه ويرحمهم ويتبعهم، فالأجر إذاً حاصلٌ بكل هذه الإعتبارات أو بعضها.
وأما الثالثة، فقد ذكر ابن القيم في كتاب "الروح" أموراً فوق التصور، وكان مما ذكر أن مِنَ الـمُشاهَد المحسوس أن أرواح بعض الصالحين كانت تهزم جيوشاً، وأن روح كل مؤمن ميت لها ارتباط بقبره، إما على العين أو التقريب وهي تطلع وتدرك كل ما يصنعه ذووها عند قبرها، وفي بيوتهم إذا استدعيت. ويقول ابن القيم: لا خلاف عندنا في أن أرواح بعض الصالحين تحضر على قدر حال الداعي، فحين يذهب الإنسان إلى زيارة ولي ويطيل المكث عنده قدر ما يتعظ من جهة، وقدر ما يقرأ سورة يس أو نحوها فإنه سيحس إحساساً حقيقياً ببعض صفات الروضة إن لم يكن بجميعها من السكينة والأنس والطمأنينة وصفاء القلب وغسل صدأ الضمير والروائح الزكية، وقد يحصل بعض هذا، وقد يحصل أكثر منه. ومَنْ ذاق عَرَف ومَنْ أنكرَ حُرِم.
وبعض الناس يرى أن زيارة المراقد شرك أكبر لأنها مشاكلة للوثنية؛ فالوثنيون كانوا يطوفون بالقبور ويتمسحون بها، أو من الشرك الخفي وهو جَعْلُ وسيلة بين الله وبين خلقه عندهم. وما درى هذا المسكين أن هذا الرجل الصالح موحد مؤمن وأن الذين يزورونه لا يعبدونه وإنما يعبدون الله بحبه، ويتقربون إلى الله بزيارته، أما ذاك فوَثَنٌ أو صنم جعله الناس الكفرة ندّاً لله بدلاً عنه أو رمزاً له أو شريكاً معه، والمشابهة ببعض الأفعال الظاهرة الخاطئة لا يعني المشابهة في اللباب، لأن المشركين لم يشركوا لطوافهم بالصنم، وإنما أشركوا بإحدى الخصال الثلاث الآنفة، والطواف والتمسح كناية عندهم عن الحب، ونحن ننكر الطواف ونحرمه، وننكر التمسح ونكرهه لهذه المشابهة، لا لأن التمسح بحد ذاته فيه شيء، لأن التبرك بآثار الصالحين مشروع.
أهـ

ملاحظة: علّق الشيخ عداب الحمش بعد اطلاعه على نص هذه الفتوى بأن حديث (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار) حديث ضعيف ولكن يصح بهذا المعنى أحاديث وآثار أخر كما في الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِه وَتَوَلَّى عنه أَصْحَابُه، أنه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، فَيَأْتِيه مَلَكَانِ، فَيُقْعِدَانِه، فَيَقُولَانِ له: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ، مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وَسَلَّمَ ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أنه عَبْدُ الله ورسوله، فَيَقُولُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ الله به مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّة، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا». قَالَ قَتَادَة: وَرُوِي لَنَا: أنه يُفْسَحُ له في قَبْرِه، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. البخاري برقم (1374) ومسلم برقم (2870)

الجمعة، 3 مايو 2013

تحريم الذهب والحرير على الرجال


فتوى رقم (7)
سنة 1998م
س/ ما الحكمة من تحريم التحلي بالذهب والحرير للرجال؟
ج/ الأصل في الإيمان التسليم لأمر الشارع ونهيه بدون اعتراض، وهذا معنى الإسلام. فالله تعالى يختبر عباده بأحكام تتوضَّح العلّة من ورائها، ويختبرهم بتكاليف لا تتوضّح لهم العلّة من ورائها.
فالإبط أكثر إنتاناً من الساعد وأحوج إلى الغسل منه في العضد، ومع ذلك لم يوجب غسله عند كلّ وضوء! والذي أوجب غسل الوجه عند كلّ الوضوء، لم يوجب صبَّ الماء على السوءتين النتنتين عند كلّ وضوء، إذا كان ناقض الطهارة هو البول، وإنما يكتفي بثلاثة أحجار تنظف فتحة الإحليل... إلخ.
فإذا استطعنا معرفة العلّة والحكمة من وراء الحكم الشرعي، فهو لزيادة الاطمئنان ولراحة القلب ولإمكان إبلاغ الدعوة مع وضوح الدليل.
وقضية تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال دون النساء تدخل في ثلاث شُعَب لابُدّ من التعمّق وراء حيثياتها للتحقق من فهمها..
أما الأولى؛ فهي المصلحة الشرعية. فالذهب والحرير حليتان جميلتان يحبها الرجل والمرأة على السواء، والشارع الحكيم أباح للمرأة التحلي بالذهب والحرير –وهما من الرجل غالباً-؛ لأن في تحليها بهما إشباع رغبته العاطفية تجاهها، مع عدم السرف في ذلك، ولو جاز له التحلي بالذهب ولبس الحرير؛ لتصرّف قدر هائل من مال الأمة نحو الزينة، وتعطّلت المصالح الشرعية في المال.
ويلاحظ لدى الأثرياء منّا أنه يشتري العباءة الغالية جداً لمجرد أنها غالية حتى لو لم يفقه سبب غلائها، فلو جاز له التحلي واللبس؛ لصار هذا مدعاة لغلاء فاحش لهاتين المادتين؛ فالندرة هي سبب ارتفاع قيمة الأشياء، ولجمّد قدر كبير من مال الأمة وأصبح كنزاً بحجة التحلي واللبس.
أما الثانية؛ فهي المكارم الشرعية. والفرق بينهما، أن المصالح الشرعية تخدم الضرورات، بينما المكارم الشرعية تخدم التحسينات. والتحلي بالذهب ولبس الحرير من الترفه كما يقرّ بذلك الخلق أجمعين، وهو منافٍ للرجولة التي يغلب عليها طابع الحزم والقوة اللتان لا تنسجمان مع حقيقة التحلّي بالذهب ولبس الحرير.
والثالثة: الفطرة. إن الله تبارك وتعالى جبل كلاً من الجنسين على صفات وطبائع يختلف فيها أحدهما عن الآخر، فما كان الكماليات عند الرجل يعدّ من الضروريات عند المرأة، وتنتهي رغبات الرجل في الترفّه عندما تبدأ رغبات المرأة فيه. ولهذا.. فلا تجد من الرجال من يستروح إلى لبس الحرير والذهب والحلي إلا المخنثين أو من كثرت في دمه الهرمونات الأنثوية، والله تعالى أعلم.

العدل بين الأبناء


فتوى رقم (5)
بتاريخ 2/ 2/ 2013
س/ أمّ لتسعة أبناء (ذكور وإناث)، موسرة الحال، وبصحة جيدة. سجَّلت مؤخراً أحد بيوتها باسم ثلاثة من أبنائها دون الآخرين، فأحفظ ذلك المحرومين.. فهل لها حقّ التصرّف في أموالها على هذا الوجه أم أنها آثمة؟!
ج/ في مثل هذا قال النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-: "لا أشهد على زور...!"، وقال: "سووا بين أولادكم في العطية...!".
وفي اجتهادي لا يجوز ذلك لأي من أبنائها دون الآخرين.. ويجب أن تُعلم الأمّ، لتتراجع عن فعلها هذا، أو تنصف أولادها جميعاً.

الجماعات الماسونية


فتوى رقم (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة 1998م
س/ ما هو الحكم الشرعي في الانتماء إلى الجمعيات الماسونية، إذا كان المنتمي متصدّراً لإمامة المسلمين، وإذا كان من عامتهم؟!
ج/ إن الجماعة الماسونية وما يتفرّع عنها من جمعيات ونوادٍ ومراكز ثقافية شعارها المعلن وحدة الأديان أو التسامح الديني أو شعارها الباطن إلغاء الأديان ونشر الدين اليهودي، هي جماعة كافرة!
فالمنتسب إليها جاهلاً أو عالماً آثم بلا ريب، لكن الجاهل يبصّر ويعرّف بحقيقة هذه الحركة الخبيثة حتى تقوم عليه الحجة بشروطها المعتبرة عند الفقهاء، فإن أصرّ؛ حكم عليه بما يحكم على الجماعة.
وإن كان عالماً بحقيقة هذه الجماعة وانتسب إليها، بتأويل سائغ عند نفسه مصلحةً أو رئاسة أو دنيا؛ فهو ضال متبع غير سبيل المؤمنين. وإن كان يعتقد عقائدها؛ فهو مثل أي فرد من مؤسسيها الخبثاء، فلا فرق بين مؤسس ومتبع.
بيد أنني أحب التريث في إطلاق الأحكام، ومن نظنه عالماً بحقيقتها، قد لا يكون كذلك في حقيقة الأمر، والله تعالى أعلم.

زواج المتعة

فتوى رقم (3)
بسم الله الرحمن الرحيم

س/ ما هي خلاصة الحكم الشرعي في زواج المتعة؟
ج/ إذا تعدّدتْ واردات الحظر والحِلّ على مورد واحد، لم يُوصف هذا المورد بحِلٍّ ولا حرمة لذاته، وإنما يُوصف بهذا أو ذاك بالإضافة، وهذا ما يسمونه بدوران الأحكام مع عللها وجوداً وعدماً. وهذا ما فهمه جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن عباس، وجمعٌ من الصحابة، حيث نقلوا استمرار العمل بالمتعة حتى صدرٍ من خلافة عمر، حتى قالوا: ثم نهانا عمر فانتهينا.
والقول بأن هؤلاء الصحابة ما كانوا مطّلعين على نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عبثٌ، لأنه لا يُعقل أن يغفل مثل هؤلاء عن شرعٍ قُطعت حرمته.
غير أن السؤال الذي يَرِدُ هو: علامَ استند عمر في النهي عن المتعة، والتهديد بالنكال لفاعلها؟
والجواب – عندي – والله أعلم، هو نفسُ المورد الذي نفسر به نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فعمر يرى أن القضاء على ظاهرة التسيّب الأخلاقي الواضح عند المتمتَّع بهنّ – وهنّ طبقةٌ مرذولةٌ من المجتمع – يجب أن يتم، ولم يعد هناك حاجة إلى إقرار مثل هذا التشريع، لأن الخير قد كَثُر، ويمكن للإنسان أن يتزوج بسهولة في عصر عمر، ثم لأن السبايا قد كَثُرنَ، ويسع الإنسان أن يتسرّى بسريةٍ إذا كان عاجزاً عن الزواج بامرأة، وليس للسرية حرمة المرأة الزوجة.
فأمام هذه المعطيات الجديدة، وأمام هذا الهدف الأخلاقي الإسلامي، رأى عمر النهيَ المطلقَ عن نكاح المتعة، لا باعتباره أمراً شرعياً ربانياً مانعاً، والله أعلم، وإنما باعتباره أمراً شرعياً مصلحياً، يقدّر الإمامُ المجتهدُ – حصراً – مع مجلس شورى، منافعَه وعوائدَه الخيّرة، أو غير ذلك.
وقد جاء عثمان وعلي ومعاوية وسائر ملوك بني أمية وبني العباس، ولم يقم أحدٌ بنقض ما أبرمه عمر، لقناعتهم – في نظري – بانسجامه مع الأهداف الإسلامية. ولطول مدة الأخذ بقرار عمر، ولموافقة عليّ – حصراً – له، أخذ طابع قوة التشريع الملازمة.
والسؤال الآن: هل يجوز لأحد أن ينقض ما أبرمَ عمر؟
والجواب: أن نظام نكاح المتعة المقرر في السنة النبوية، والذي ذكره فقهاء الشيعة الإمامية، نظامٌ دقيق، لا يختلف كثيراً عن الزواج المؤبد، إلا في نقطتين أساسين، وبعض الفروعيات.
فالتوقيتُ، وعدمُ التوارث، هما النقطتان البارزتان في اختلاف نكاح المتعة عن النكاح المؤبد، وكل ما سوى ذلك سهل.
وأقول: إذا وُجِدَ الإمامُ المجتهدُ، النافذُ السلطان، فمن حقّه أن ينظر في هذه المسألة، وفي غيرها من القضايا التي بُنيت أحكامُها على المصالح الشرعية، وحتى يوجد هذا الإمام، فلا يجوز لأحد أن يتمتع – في نظري – والله أعلم.
ملاحظة: كل ما مرّ من الجواب يتعلق بالمسلمات، أما غير المسلمات من الكتابيات، فلهنّ حكمٌ مختلف.

التعامل مع المصارف الربوية


فتوى رقم (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الأحد 28/4/2002


س/ ما حكم التعامل مع المصارف الربوية ماليّ وغير ماليّ؟
ج/ الأصل الشرعي أن التعامل الربوي كله مرفوض. قال تعالى: ((فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) وهذه أغلظ صيغة استخدمت في القرآن الكريم في التعبير عن شدة التحريم. وبناءً على هذا الأصل الشرعي نقول: لا يجوز التعامل مع البنوك الربوية مالياً ولا ما يؤدي إلى ماليّ أو يخدم المنهج الربوي بصورة أساسية أو جزئية إلا في إطار نقطتين:
1.    الاضطرار، والاضطرار يعني ما يؤثر تأثيراً حقيقياً على الاقتصاد الإسلامي الاجتماعي أو الفردي، قياساً على قولهم: الضرورة في المحافظة على النفس إنما يُلجأ إليها إذا خاف فقد الحياة أو فقد أحد أعضائه أو تعطيله عن عمله. فإذا كنا مضطرين للحصول على حق شرعي لنا أن نضع أموالنا في البنك وديعة ريثما نستلم حقنا من البضاعة التي لا تستلم إلا بهذا الإيداع المصرفي، فعندها لا نقول يجوز، وإنما نقول نحن نرتكب أخف الضررين، والإثم على المُلجئ. ولو قلنا بالنفي المطلق لأصبحت كل التجارات واقتصاديات الأمة مع الذين لا يحلون ولا يحرمون ويأتي يوم يسود فيه أصحاب الربا الذين يُطعمون كل الناس من أموالهم الربوية الحرام. فوجود شريحة من المسلمين ترتكب أخف الضررين - فيما لا ربا فيه ظاهرٌ – أولى، لينعم المسلمون أو بعضهم بالمال الحلال الذي يأكلون منه.
وإذا اضطر الإنسان إلى وضع أمواله بفائدة ربوية، فإن كان ترك الربا للمصرف لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من استقواء أهل الربا أو الفجار فيجب ترك الربا، وإن خيف استقواؤهم أو صرف هذه الأموال في عداء الإسلام وحربه، فيرتكب أخف الضررين بأخذ هذه الأموال وإنفاقها في المصالح العامة فيما لا غذاء فيه ولا دواء، كبناء ملجأ أو مدرسة أو مرافق صحية ونحو ذلك.
2.  التعامل الربوي مع غير المسلمين، وكلمة غير المسلمين يجب أن ينظر إليها في إطار مفهوم دار الإسلام ودار الحرب حتى لا تختلط المفاهيم ونقع في التعميم، فمن الفقهاء من يرى أن البلد المسلم الذي يحكمه كافر أو علماني يجوّز الربا ويحميه، ويجوّز المحرمات ويحميها كالزنا والخمر ونحو ذلك… فهذا البلد ينقلب دار كفر، لأن المظلة السياسية كافرة، والعبرة بالقيادة النافذة الكلمة، ولا عبرة بالرعية التي لا حول لها ولا طول. ومن الفقهاء من يرى أن دار الإسلام لا تنقلب دار حرب حتى لو حكمها كافر أصليّ كيهودي أو نصراني أو شيوعي ما دامت شعائر الإسلام الظاهرة قائمة فيها من أذان وصلاة واحتفال بالعيد وإذنٍ بالحج وعقود شرعية في الزواج والطلاق ونحو ذلك مما هو من الشعائر الظاهرة العامة للمجتمع المسلم… فإن هذه البلاد لا تنقلب دار حرب ولا دار كفر بارتداد أو فجور حكامها.
فعلى التصنيف الأول تلحق ديار الإسلام المنقلبة بديار الكفر الأصلي، وعلى القول الثاني تبقى دار إسلام يجب على المسلمين تطبيق ما يستطيعون تطبيقه من أحكام دينهم في ظل هذه الظروف الطارئة.
وعلى القول الأول فإن فقهاء الحنفية وكثيراً من فقهاء الحنابلة وخاصة المعاصرين المتأخرين فإنهم جوزا التعامل الربوي في دار الحرب أخذاً لا إعطاءً بحجة أن مال الحربي مباح للمسلم، فبأي صورة استطاع الحصول عليه مما لا يعود على المسلمين بضرر أكبر فجائز له أخذه.
والذي أراه حسبما كتبتُ في بحثيّ: (المجتمعات الإسلامية المعاصرة بين دار الإسلام ودار الحرب)، و(التعامل الربوي في دار الحرب) أن دار الإسلام لا تنقلب أبداً إلى دار حرب أو كفر… نعم تنقلب إلى دار بغي وإلى دار بدعة إذا ظهر البغاة المتغلبون في الأولى وظهر أهل البدع المتفق على بدعيتها في الحالة الثانية. وانقلاب الدار إلى دار بغي أو بدعة لا يفقدها صفة الإسلامية، فهي دار إسلام يجب على أهلها إزالة حكم البغي المتغلب أو حكم أهل البدعة المتغلب وقتما يستطيعون بعد بذل كل الجهد في ذلك.
هذا بالنسبة لانقلاب الدار، أما بالنسبة للتعامل الربوي فعلى وجه العموم لا نجوّز التعامل الربوي في ديار البغي والبدعة والحرب والكفر الأصلي فضلاً عن ديار الإسلام لا أخذاً ولا عطاءً وإنما يرتكب المرء أخف الضررين في كل حالة طارئة يُستفتى فيها عالمٌ ورعٌ ملمٌ بمقاصد الشريعة وحكمة التشريع فتعطى كل حالة حكماً خاصاً بها لا يكون بحال من الأحوال هو الجواز وإنما يكون من الأحكام الاضطرارية فيقال ارتكب أخف الضررين.
والسؤال المطروح الآن بعد هذه المقدمة الطويلة: نحن نريد تزويد مصرف من المصارف ببرنامج تقني يفيد منه هذا المصرف في تسيير معاملاته الربوية وغير الربوية، ذلك أن المصرف لا يقتصر تعامله على الإيداع والفائدة وإنما تكون له مشاريع استثمارية في الداخل والخارج يحتاج معها إلى برامج تقنية حسابية عالية.
والجواب يكون في نقطتين:
1.  مصرف لا يتعامل إلا بالصرف والنقد ونظام الفائدة الربوية في الداخل والخارج، فمثل هذا البنك لا نفتي بإمكانية تزويده بأدوات تقنية عالية لأنه ظاهر التعامل الربوي المطلق وليس له مداخلات أخرى يمكن أن يُصرف الحكمُ إليها.
2.  مصرف يتعامل في الداخل والخارج أو أحدهما بالمشاريع الاستثمارية من عقار وبناء وتجارة ويتعامل بالربا، فمثل هذا الصنف من المصارف يمكن تزويده بمثل هذا البرنامج بنية تقوية الجانب الخيّر الذي فيه وبحدود معينة لا مطلقاً.
ومن هذه المسوغات رؤية آثار هذا البرنامج الذي يحتاج إلى اختبار على بساط الواقع. ولا نرى في مثل هذه الحال أو تلك الفتوى بمذهب أبي حنيفة من أن الأصل في العقد الإيجاب والقبول بغض النظر عما يؤول إليه العقد من حرام أو حلال، فهم قالوا مثلاً: يجوز إيجار الدار لمن تعرف أنه سيتخذها كنيسة أو بيت نار أو دار بغاء أو ملهى قمار، ويجوز بيع العنب لمن تعرف أنه سيتخذ منه خمراً لأن العقد واقع على عين جائز التصرف بها، إذ من المحتمل بعد كتابة العقد أن يتحول رأي المستأجر فلا يفعل ما كان ينويه، وما دام هذا الاحتمال قائماً فلا يصح تفويت الفرصة عليه بالحجة الأولى… وما ينطبق على الإجارة ينطبق على البيع من باب أولى. أهـ

أكل طعام الشيعة من الأضاحي والأفدية والنذور


فتوى رقم (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحد 28/4/2002

س/ ما حكم الشرع في أكل طعام الشيعة الإمامية مما يقربونه أضاحي وأفدية ونذوراً إلى أئمتهم أو بمناسباتهم؟
ج/ إذا أطلق لفظ طعام في المصطلح الشرعي فإنه ينصرف إلى الذبائح خاصة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا أربعة: الذبائح، الدماء، الفروج، الأموال، فإن الأصل في هذه الأربعة هو الحظر. ويكاد يكون هذا موضع إجماع بين علماء المسلمين من شتى الطوائف، والأدلة عليه أكثر من أن تحصى. فعندما تقول طعام الشيعة، أو طعام الإباضية أو طعام اليهود أو طعام النصارى فيجب أن يكون المتبادر هو الكلام على الذبح والتذكية، أما سائر الطعام الآخر من خبز وطبخ وخضار وفاكهة فالأصل فيه الإباحة المطلقة ما لم يخالطه محرم من خمر أو ميتة أو نجاسة.
وذبائح اليهود والنصارى إذا ذبحت على طريقتهم الشرعية فهي مباحة لنا مطلقاً لقوله تعالى: ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم)) أما إذا تحققنا أن الذبح غدا على غير الطريقة الشرعية كما هو الحال في أوربا وأمريكا وكثير من دول الغرب العلمانية التي لم تعد تلتزم بسنة النصارى في الذبح فإن الحكم الشرعي ينقلب تماماً ويصبح الأصل في ذبائحهم الحظر حتى تثبت التذكية على ملتهم لأن الحكم يدور مع الغالب، والشذوذ لا حكم له، أو يُحكم عليه بقدره.
فإذا كانت ذبائح اليهود والنصارى مباحة لنا - وكلهم مشركون كما يقول ابن عباس فيما أخرجه البخاري في صحيحه، ولكن الله تعالى رخّص لنا في طعامهم ونسائهم رحمةً بنا وإحساناً منه إلينا، فكيف نتجرأ على الله تعالى ونقول بأن ذبائح الشيعة لأي مناسبة من المناسبات وبأي نية من النوايا: إنها ذبائح محرمة والطعام الذي يخالطها لا يجوز أكله؟!
وقوله تبارك وتعالى ((وما أهلّ لغير الله به)) وقوله: ((ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسمُ الله عليه)) بيّنت السنة النبوية مرفوعةً وموقوفةً أن المشركين كانوا يُسَمُّونَ على الذبيحة باسم أوثانهم وكانوا يتقربون إلى الأوثان بهذه القرابين التي ينحرونها عند الأوثان فهم سمّوا بغير اسم الله أو أشركوا مع اسم الله غيرَه، وهم تقربوا وأهلّوا بها إلى الأوثان لا إلى الله تبارك وتعالى، فمِنْ هنا كانت مُحرّمة على المؤمنين إضافة إلى وقوع الشرك المطلق في عقائد العرب قبل الإسلام.
فالشيعي والسني والزيدي وسائر أتباع الفرق الإسلامية لا تخلوا ذبيحتهم من إحدى ثلاث جهات:
أولاً: أنْ يذكر عليها اسم الله تعالى، ثم يقدمها هدياً لله تعالى عن فلان ممن يحب.
ثانياً: أنْ يذكر اسم الله عليها واسم فلان المهدى إليه، وهذا له حالان:
1.    أنْ تكون الواو عنده عاطفة، وهذا شرك.
2.  أنْ تكون الواو عنده معية، أو حالية، وهذه تفيد التأكيد والتخصيص بإشراك الأدنى مع الأعلى تشريفاً له وليست من باب الشرك في شيء، لكن المتنطعين يجعلونها من الشرك.
فحينما يقول عامة المسلمين من شتى الفرق: أنا دخيل على الله وعليك، فلا يقصد واحد منهم إطلاقاً أن المدخول عليه الثاني ند لله تعالى، وإنما يقصدون تذكيره بالله وأنهم دخلوا عليه بعد الله مباشرة لم يدخلوا على أحد غيره، وهذا فيه اختصاص له وتمييز له عن غيره، فليس من الشرك في شيء والله أعلم.
والحديث الذي يروونه لا يصح في ذلك أبداً، على أن الأولى في كل ذلك تعليم الناس عدم استخدام الألفاظ الموهمة.
ثالثاً: أنْ يسمي الذابح أو الآمر بالذبح باسم المُهدى إليه أو يقول: يا حسين هذا لك، أو يا موسى الكاظم هذا بين رجليك….إلخ دون أن يذكر لفظةً تدل على أنه قدّم ذلك عن محبوبه هدياً لله، كأنْ يقول: يا حسين هذا عنك لله، أو هذا لله بحبك، أو هذا من أجلك قربى لله تعالى… فإذا وُجِدَتْ لفظةٌ تدل على أن الذابح يقصد وجه الله ومثوبته في ذبيحته فقد حلت الذبيحة حتى ولو لم يسمّ الله عليها نسياناً لا تعمداً.
فحين يأتي ميلاد علي بن أبي طالب أو الزهراء أو مقتل الحسين أو مقتل زيد بن علي أو الكاظم عليهم سلام الله، ويحتفل الناس بهذه الذكريات المحزنة بإطعام الطعام وسقاية الناس الماء والشراب أو كثرة الصدقات فإننا نسمع من كلامهم ذكر الله والتقرب إلى الله وأنهم إنما يفعلون ذلك حباً بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقرباً إلى الله تعالى بهذا الحب لاعتقادهم بأن هؤلاء أحباب الله، وبالتالي فلا يجوز بحال من الأحوال أن يُلبس على المسلمين فيُقال أنّ هذا طعامٌ أُهلّ لغير الله به، فمهما كانت النية سيئة فلا تحوّل الطعامَ من حلال إلى حرام إلا في الذبح، فكل الطعام والشراب مباحٌ في الأصل، فلا يُذهِبُ إباحتَه نيةُ مقدِّمِه، وتنحصر المسألة في الذبح.
ويلتحق بذلك حكمٌ قريبٌ هو إذا ما ذَبَحَ الناذرُ أو المُهدي ذبيحة على قبرٍ أو قرب قبر، فإن كثيراً من الشباب المتحمس وخاصة السلفية يرون هذا من الشرك..!! ولا تخلو هذه الذبيحة من ثلاثة أحوالٍ أيضاً:
الأولى: أن يَذبح على القبر لاعتقاده أن محبوبه يراه فيسرّ بذلك مع قيامه بالواجب الشرعي من التذكية والتسمية والإهلال لله، فهذه حلالٌ لا ريب فيها، ولو ذبحها على القبر مباشرة!
الثانية: أن يذبحها على القبر ليوزعها على الفقراء الذين يكونون في المقبرة أو قريباً منها، فيكون هذا الميت الذي هو سبب الذبيحة مصدرَ خيرٍ لأهل تلك المنطقة، فهذا مقصدٌ شرعي لا حرجَ فيه إطلاقاً.
الثالثة: أن يذبح هذا الهدي على القبر أو قرب القبر وينطق بكلام يفهم منه أنه يتقرب إلى صاحب القبر به، فلا يذكر اسم الله ولا يوجه الذبيحة إلى القبلة إشعاراً بسنة أهل الإسلام، ولا يقول اللهم هذا منك وإليك عن فلان… إنما يقول مثلاً: يا فلان هذا لعيونك، أو هذا بحبك، أو أذبح لك هذا الهدي لترضى عني، أو لتسامحني… من غير أن ينطق بما يشعر بأن المكافئ هو الله تعالى وأن المتقبل هو الله وأن المقصود الأعظم هو الله، فهذه ذبيحة حرام وهي لون من المظاهر الشركية التي يأثم صاحبها بلا ريب. والله أعلم.
انتهى