فتوى رقم (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحد 28/4/2002
س/ ما حكم التعامل مع المصارف الربوية ماليّ وغير ماليّ؟
ج/ الأصل الشرعي أن التعامل الربوي كله مرفوض. قال تعالى: ((فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) وهذه أغلظ صيغة استخدمت في القرآن الكريم في التعبير عن شدة التحريم. وبناءً على هذا الأصل الشرعي نقول: لا يجوز التعامل مع البنوك الربوية مالياً ولا ما يؤدي إلى ماليّ أو يخدم المنهج الربوي بصورة أساسية أو جزئية إلا في إطار نقطتين:
1. الاضطرار، والاضطرار يعني ما يؤثر تأثيراً حقيقياً على الاقتصاد الإسلامي الاجتماعي أو الفردي، قياساً على قولهم: الضرورة في المحافظة على النفس إنما يُلجأ إليها إذا خاف فقد الحياة أو فقد أحد أعضائه أو تعطيله عن عمله. فإذا كنا مضطرين للحصول على حق شرعي لنا أن نضع أموالنا في البنك وديعة ريثما نستلم حقنا من البضاعة التي لا تستلم إلا بهذا الإيداع المصرفي، فعندها لا نقول يجوز، وإنما نقول نحن نرتكب أخف الضررين، والإثم على المُلجئ. ولو قلنا بالنفي المطلق لأصبحت كل التجارات واقتصاديات الأمة مع الذين لا يحلون ولا يحرمون ويأتي يوم يسود فيه أصحاب الربا الذين يُطعمون كل الناس من أموالهم الربوية الحرام. فوجود شريحة من المسلمين ترتكب أخف الضررين - فيما لا ربا فيه ظاهرٌ – أولى، لينعم المسلمون أو بعضهم بالمال الحلال الذي يأكلون منه.
وإذا اضطر الإنسان إلى وضع أمواله بفائدة ربوية، فإن كان ترك الربا للمصرف لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من استقواء أهل الربا أو الفجار فيجب ترك الربا، وإن خيف استقواؤهم أو صرف هذه الأموال في عداء الإسلام وحربه، فيرتكب أخف الضررين بأخذ هذه الأموال وإنفاقها في المصالح العامة فيما لا غذاء فيه ولا دواء، كبناء ملجأ أو مدرسة أو مرافق صحية ونحو ذلك.
2. التعامل الربوي مع غير المسلمين، وكلمة غير المسلمين يجب أن ينظر إليها في إطار مفهوم دار الإسلام ودار الحرب حتى لا تختلط المفاهيم ونقع في التعميم، فمن الفقهاء من يرى أن البلد المسلم الذي يحكمه كافر أو علماني يجوّز الربا ويحميه، ويجوّز المحرمات ويحميها كالزنا والخمر ونحو ذلك… فهذا البلد ينقلب دار كفر، لأن المظلة السياسية كافرة، والعبرة بالقيادة النافذة الكلمة، ولا عبرة بالرعية التي لا حول لها ولا طول. ومن الفقهاء من يرى أن دار الإسلام لا تنقلب دار حرب حتى لو حكمها كافر أصليّ كيهودي أو نصراني أو شيوعي ما دامت شعائر الإسلام الظاهرة قائمة فيها من أذان وصلاة واحتفال بالعيد وإذنٍ بالحج وعقود شرعية في الزواج والطلاق ونحو ذلك مما هو من الشعائر الظاهرة العامة للمجتمع المسلم… فإن هذه البلاد لا تنقلب دار حرب ولا دار كفر بارتداد أو فجور حكامها.
فعلى التصنيف الأول تلحق ديار الإسلام المنقلبة بديار الكفر الأصلي، وعلى القول الثاني تبقى دار إسلام يجب على المسلمين تطبيق ما يستطيعون تطبيقه من أحكام دينهم في ظل هذه الظروف الطارئة.
وعلى القول الأول فإن فقهاء الحنفية وكثيراً من فقهاء الحنابلة وخاصة المعاصرين المتأخرين فإنهم جوزا التعامل الربوي في دار الحرب أخذاً لا إعطاءً بحجة أن مال الحربي مباح للمسلم، فبأي صورة استطاع الحصول عليه مما لا يعود على المسلمين بضرر أكبر فجائز له أخذه.
والذي أراه حسبما كتبتُ في بحثيّ: (المجتمعات الإسلامية المعاصرة بين دار الإسلام ودار الحرب)، و(التعامل الربوي في دار الحرب) أن دار الإسلام لا تنقلب أبداً إلى دار حرب أو كفر… نعم تنقلب إلى دار بغي وإلى دار بدعة إذا ظهر البغاة المتغلبون في الأولى وظهر أهل البدع المتفق على بدعيتها في الحالة الثانية. وانقلاب الدار إلى دار بغي أو بدعة لا يفقدها صفة الإسلامية، فهي دار إسلام يجب على أهلها إزالة حكم البغي المتغلب أو حكم أهل البدعة المتغلب وقتما يستطيعون بعد بذل كل الجهد في ذلك.
هذا بالنسبة لانقلاب الدار، أما بالنسبة للتعامل الربوي فعلى وجه العموم لا نجوّز التعامل الربوي في ديار البغي والبدعة والحرب والكفر الأصلي فضلاً عن ديار الإسلام لا أخذاً ولا عطاءً وإنما يرتكب المرء أخف الضررين في كل حالة طارئة يُستفتى فيها عالمٌ ورعٌ ملمٌ بمقاصد الشريعة وحكمة التشريع فتعطى كل حالة حكماً خاصاً بها لا يكون بحال من الأحوال هو الجواز وإنما يكون من الأحكام الاضطرارية فيقال ارتكب أخف الضررين.
والسؤال المطروح الآن بعد هذه المقدمة الطويلة: نحن نريد تزويد مصرف من المصارف ببرنامج تقني يفيد منه هذا المصرف في تسيير معاملاته الربوية وغير الربوية، ذلك أن المصرف لا يقتصر تعامله على الإيداع والفائدة وإنما تكون له مشاريع استثمارية في الداخل والخارج يحتاج معها إلى برامج تقنية حسابية عالية.
والجواب يكون في نقطتين:
1. مصرف لا يتعامل إلا بالصرف والنقد ونظام الفائدة الربوية في الداخل والخارج، فمثل هذا البنك لا نفتي بإمكانية تزويده بأدوات تقنية عالية لأنه ظاهر التعامل الربوي المطلق وليس له مداخلات أخرى يمكن أن يُصرف الحكمُ إليها.
2. مصرف يتعامل في الداخل والخارج أو أحدهما بالمشاريع الاستثمارية من عقار وبناء وتجارة ويتعامل بالربا، فمثل هذا الصنف من المصارف يمكن تزويده بمثل هذا البرنامج بنية تقوية الجانب الخيّر الذي فيه وبحدود معينة لا مطلقاً.
ومن هذه المسوغات رؤية آثار هذا البرنامج الذي يحتاج إلى اختبار على بساط الواقع. ولا نرى في مثل هذه الحال أو تلك الفتوى بمذهب أبي حنيفة من أن الأصل في العقد الإيجاب والقبول بغض النظر عما يؤول إليه العقد من حرام أو حلال، فهم قالوا مثلاً: يجوز إيجار الدار لمن تعرف أنه سيتخذها كنيسة أو بيت نار أو دار بغاء أو ملهى قمار، ويجوز بيع العنب لمن تعرف أنه سيتخذ منه خمراً لأن العقد واقع على عين جائز التصرف بها، إذ من المحتمل بعد كتابة العقد أن يتحول رأي المستأجر فلا يفعل ما كان ينويه، وما دام هذا الاحتمال قائماً فلا يصح تفويت الفرصة عليه بالحجة الأولى… وما ينطبق على الإجارة ينطبق على البيع من باب أولى. أهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق